ما الذي تريده؟ وما هو غرضك من القتال؟! إن خوف الانسان على نفسه وحرصه على عدم إيذاء جسده أمر طبيعي في النفس البشرية فهي الفطرة التي خلق الانسان عليها خوفه على ذاته وحبه للبقاء والخوف من الموت أو اﻹصابات، أو بصيغة أدق؛ هي التي –من خلالها- يستطيع البقاء حيًا وسليما، ومن هنا جاءت كلمة “غريزة البقاء” التي بنيت عليها فكرة جميع الألعاب والفنون القتالية
فليس أمرًا مثيرًا للإحراج أن تخاف ولكن من الخطأ أن يسيطر هذا الخوف علي مشاعرنا بشكل يجعلنا لا نستطيع أن نسيطر على أنفسنا واجسادنا فلا نستطيع الدفاع والهجوم والرد على الاعتداء إلى آخر تلك الأمور. فالعجيب في الأمر أننا نخاف على أنفسنا من الإيذاء وفي نفس الوقت هذا الخوف هو الذي يعرضنا للخطورة والأضرار لأنه يجعل صاحبه يقف ساكنا يتلقى الضربات
ما الذي تتدرب عليه ؟ يقول الكثيرون إنه عندما تصل لحظة الحقيقة (وقت النزال) يبدأ يتجمد ويصيبه الذعر، وهي استجابة لا تعكس سنوات من التدريب؟ إذًا ما الذي تتدرب عليه؟! هذا هو السؤال الأهم؛ هناك فرق كبير بين المعارك التي تحدث في الشوارع والتي تحدث في المسابقات، وذلك –ببساطة- لأن الهدف يختلف، فهدف المسابقات هو الربح، وهدف الشوارع هو النجاة، أو بصيغة أدق إخراج نفسك من دائرة الخطر والانتقال إلى مسافة الأمان
ويمكن القول بأكثر تحديد، إن القتال المتفق عليه (المسابقات والبطولات) هناك قواعد تحكمها، متى تبدأ ومتى تتوقف. ومعظمها تتوقف عندما يفوز أحد الطرفين. أما قتال الشارع، فلا يحكمه طريقة أو قانون، لأن القوة المستخدمة لا تقتصر على قواعد. لذلك يمكن حدوث موت أحد الطرفين. وتتنوع الاسباب التي تبدأ بمثل هذه الحوادث, وفي الغالب خلافات من نوع تافه جدًا، بحيث يتم استعمال القوة و الترهيب للحصول على هذا الهدف
على سبيل المثال؛ سارق يريد سرقة أموالك، يطلب منك ذلك بخشونة في إحدى الشوارع الضيقة، إذا قلت له لا, سيشهر سلاحه ويهددك به (هذا لا يزال دبلوماسيًا, انت تدخل في مرحلة المفاوضات) ولا يستخدم أي قوة حتى الآن، لكن الثواني القادمة التي ستأتي بعد المفاوضات ستحدد كل شيء. ماذا يحدث عن القتال الفعلي ؟!عند القتال الفعلي أو الخطر الشديد تستقبل شبكة العين صورة كاملة لمسرح الأحداث فترسلها بدورها إلى المخ عبر العصب البصري، فيقدر المخ درجة الخطر بصورة فائقة. ويقوم بتقدير المسافة بينه وبين الخطر ويبحث عن بدائل للنجاة، ومدى الخطورة المصاحبة لكل بديل، وعندئذ يتخذ المخ أنسب القرارات ثم يرسل أمر إلى عضلات الأرجل لتلوذ بالفرار ثم يقوم المخ بإرسال إشارة إلى الغدة الكظرية الموجودة بجوار الكلى لتفرز هرمون الأدرينالين بكميات كبيرة ويكون الجسم في حالة تأهب ليمد الجسم بطاقة هائلة تمكنه من بذل مجهود غير عادي وتحدث العمليات الكهربائية والكيمائية في ثوان معدودة
فالعين والأذن تلعب في هذه الناحية دورًا مهمًا جدًا في عمل الجهازين العصبي والعضلي، من أهم عناصر اليقظة والانتباه الشديد والقدرة على الإدراك الجيد للحركات المفاجئة الغير متوقعة من الخصم ذلك شدة تركيز العقل لمتابعة جميع تحركات الجسم واكتشاف أماكن الضعف لسرعة تسديد الضربات والاستعداد التام بكل حواس الجسد ومشاعره لصد وتفادي الهجوم
بعض الاسئلة تراود العقل والسؤال الأهم؛ كيف نستعد لمثل هذه الحالات؟ بداية لا يهم كم تعلمت من تقنيات، لأن لهذا السيناريو بعد آخر، فدعونا نجيب على بعض هذه الأمثلة : إن سلامتك الشخصية يجب أن تكون مسؤولية شخصية ويجب عدم تفويضها لأيًا كائن فإذا كنت تفوض سلامتك الشخصية لشخص آخر، فسيسيطر على جزء أساسي جدًا من حياتك، وبذلك ستتخلى عن القرارات التي تؤثر على حياتك. فاذا كنت تعطي تلك المسؤولية لشخص آخر فاعلم بأن حياتك ليست ملكًا لك. إننا نعلم بأن القوانين وضعت للحفاظ على حياة الشخص، ولكن في بعض الأحيان قد لا تنقذ حياتنا. ما الذي ستفعله اذا كانت حياتك في خطر، وما هو العمل المناسب الذي سينجيك من هذا الموقف؟! ما هي التقنيات التي لا تصلح لا وقت لحركة زائده او غير فعاله بالقتال، أو بصيغة أكثر وضوحًا الحركات الاستعراضية
لو لاحظنا –عامةً- إنه في حال اقتراب أي مخلوق من أي حيوان بشكل فيه تهديد، فإن غريزة البقاء تعمل تلقائيًا. نحن أيضا لدينا هذه الغريزة، غريزة البقاء أو مايمكن تسميتها بغريزة الدفاع عن النفس التلقائية، والتي بسببها نجى الجنس البشري. ولهذا يجب ان نطور هذه المهارة ونتدرب عليها ونجعلها من الأولويات. كيف ندرب هذا الوعي (هذه الغريزة)؟ هذا هو السؤال
لا تتدرب على التقنيات فقط ولكن عليك أن تتدرب على المحاكات وتطوير ما يسمى بالبراعة الحسية مثل تصميم الحالة النفسية للتعامل مع مثل هذه الحالات, إعادة برمجة الخوف الغريزي والسماح للدماغ بالتفكير بعقلانية. ختامًا بفضل التدريب الهادف نجا العديد من المقاتلين والمئات من حالات مهددة. وهذه التدريبات هي تدريبات محددة لتطوير هذه المهارات, مع تدريب هادف. وأخيرًا؛ لماذا نتدرب؟ ولماذا اخترنا هذا الفن وكيف يمكننا استخدم هذه التقنيات عند الحاجة؟ الجواب هو ما الهدف من التدريب الذي نتدرب عليه بكل بساطة وكفاءته، حدد هدفك بكل قوة وجدية واسعى الى تحقيقه. ويمكنني أن أنصحك ختامًا عزيزي القارئ؛ ضع أهدافًا وسر عليها حتى لا تتشتت وتفقد تركيزك في مواصلة المسير. لا تضيع وقتك في التدريب على أمور أنت في غنى عنها
إعداد الكاتبن عصام برعي